الجمعة، 15 مارس 2013

دولة المماليك ... ومماليك الدولة

بقلم : إسلام أبو المجد
نعرف المماليك , وكيف نشأوا , والأهم أن نعرف أن فكرة الإستعانة بالمماليك في الشرق منذ أيام العباسيين كانت تقوية الحاكم المستبد أمام شعبه , وعزل شعبه عن تولي مهام الحكم معه , فقد أستقدم الخليفة العباسي المعتصم بالله جنود تركمان ووضعهم في الجيش كي يعزز مكانته بعد ما فقد الثقة في العرب والفرس التي قامت عليهم الدولة العباسية , بل أن نابليون بونابارت كان قوام حرسه الإمبراطوري المماليك منهم روستان حارسه الشخصي , وذلك حين كان الجيش فقط هو محور القوة في الدولة .
 ولما بدأت الدولة تحتاج للسيطرة عليها أكثر من الجيش بدأ المستبدين بتعيين المماليك في وظائف الدولة الأخرى غير الجيش , فبدأ ظهور المماليك في القضاء والشرطة والدواوين والأسواق , بل وتطورت طرق تجنيد المماليك إلى تجنيدهم من أبناء الشعب نفسه بعزل من يريدون تجنيده تماماً عن أهله وناسه حتى يكون فقط تابعاً للمستبد , فقام محمد علي بخطف الأطفال من أهاليهم لتعليمهم فى مدارس عسكرية ثم منحهم رتب وأراضى ووظائف مرموقة وأعادتهم بعد ذلك وقد أصبحوا رجال يقيمون دولة المستبد , لا يتزاوجون إلا من بينهم ولا يتشاغلون إلا بأنفسهم , وأصبحت علاقة المصالح بين المستبد ومماليكه هي مقياس قوة الإستبداد في الدولة .
وكان على كل مستبد أن يستعين بالمماليك أو تقوى شوكة المماليك ليكون من بينهم المستبد , قد يظهر أن المماليك لا يطيعون المستبد , ولكنكم تكونوا واهمون فما هي إلا ضغوط لمصالح أكبر , ولذلك كان أي تهديد لتلك العلاقة كان يتم القضاء عليه بشكل ظاهر أو مستتر , لهذا قُـتل طومان باي ومن قبله قطز والمهتدي العباسي وعمر بن عبد العزيز .
وقد أكد هذا الكواكبي في قوله : " الحكومة المستبدّة تكون طبعاً مستبدّة في كل فروعها من المستبدّ الأعظم إلى الشرطي , ولا يكون كلُّ صنفٍ إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة، إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدوهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وشرهون لأكل السقطات من أيٍّ كان ولو بشراً أم خنازير، آبائهم أم أعدائهم، وبهذا يأمنهم المستبدُّ ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه" , فلا تنسوا أن سياسة التوريث بدأت في كل مكان في مصر به أي إمتياز قبل أن يعلنه المخلوع , وأصبحت دولة المماليك سرطانا ً ينتشر في جسد مصر ينخر فيها .
وحتى يسيطر المستبد على الشعب جند بعض المماليك ليكونوا علماء السلطان وتجار الدين , أي علم وأي دين ,  يعملون على تسكين الهمم , وتهميد العزم , وتدجين الرعية من اجل بقايا مائدة المستبد , فها هي أنجلترا الإستعمارية  تراسل الخليفة العثماني الذي يستصدر فتوى من قاضي القضاه بتكفير عرابي , ويرسل بآلاف النسخ منها إلى مصر بوصول عرابي إلى التل الكبير حيث عز المعمعة .
 ويختارون من العامة المتمجدون العاملون بالإدارات المستبدَّة أعوانا ً , ليصير الإنسان مستبداً صغيراً في كنف المستبدِّ الأعظم , فيتقلّد الرّجل أو المرأة سيفاً من قِبَل الجبارين يبرهن به على أنَّه جلاد في دولة الاستبداد , المتمجّدين أعداء للعدل أنصاراً للجور، لا دين ولا وجدان ولا شرف ولا رحمة , المستبد يتّخذهم سماسرة لخداع الشعب بأسم خدمة الدين، أو حبّ الوطن ، أو تحصيل المنافع العامة ، أو مسؤولية الدولة , ولهذا يُقال: " دولة الاستبداد دولة بُلهٍ وأوغاد."

وقد قال الكواكبي : " المستبدُّ يجرِّب أحياناً في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء أيضاً اغتراراً منه بأنّه يقوى على تليين طينتهم وتشكيلهم بالشّكل الذي يريد، فيكونوا له أعواناً خبثاء ينفعونه بدهائهم، ثمَّ هو بعد التجربة إذا خاب ويئس من إفسادهم يتبادر إبعادهم أو ينكّل بهم , ولهذا لا يستقرّ عند المستبدّ إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله ، أو الخبيث الخائن الذي يرضيه" .
وحيث يأتي ذكر الشعب في هذه الدولة يقول الكواكبي : " العوام هم قوة المستبدُّ وقُوْتُهُ , بهم عليهم يصول ويطول؛ يأسرهم فيتهللون لشوكته؛ ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم؛ ويهينهم فيثنون على رفعته؛ ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته؛ وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً ؛ وإذا قتل منهم لم يمثِّل يعتبرونه رحيماً؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ؛ وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بُغاة , والحاصل أنَّ العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل والغباوة , فإذا ارتفع الجهل وتنوَّر العقل زال الخوف , وعند ذلك لا بدَّ للمستبدِّ من الاعتزال أو الاعتدال." .
وكما يظهر في كل زمان أيبك , واقطاي , وبدران , ومراد بك ,والقاضي حلاوة , وسنقر الكلبي , يظهر قطز , وطومان باي , وعرابي , وحسن الهلالي , على الزيبق .
هذا ما وصلنا له على مر الزمان فمن دولة مماليك العسكر إلى دولة مماليك الإخوان " تحت التأسيس " , فهل يعيد التاريخ نفسه ؟ , أم نصمد , ونتضامن , نقف أمام دولة المماليك , نكسر المماليك , وننكس رأس المستبد , ونقول " الثورة مستمرة " .

المصدر : محلي - الإسكندرية  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق