السبت، 8 ديسمبر 2012

قطاعات اقتصادية مريضة – قطاع إدارة المخلفات



ان النظر لمشكلة قطاع ادارة المخلفات الصلبة يجب ان تمس مطالب العدالة الاجتماعية , وذلك لأن  العمل على تطبيق المبادئ الاساسية لادارة واقتصاديات قطاع المخلفات الصلبة بشكلها كسلسلة متواصلة من الجمع وحتى اعادة التدوير او الدفن الصحي يوضح مدى سذاجة مبادرة وطن نظيف , وبعدها عن الاسلوب العلمي والعملي والمؤسسي, وقربها من الاطار الدعائي والمظهري , وبالاخذ في الاعتبار انزال ذلك على الواقع العملي , وبيان حجم المشكلة الانسانية صحيا ً واقتصاديا ً واجتماعيا ً الناتجة عن اهمال قطاع ادارة المخلفات الصلبة بمحافظة الاسكندرية , حيث ضعف كفاءة قطاع ادارة المخلفات الصلبة في المناطق الحضرية الراقية الى ان تنعدم في المناطق الريفية مرورا ً بالمناطق الحضرية الشعبية , ومناطق العشوائيات .

عروس البحر والمعاناة من مشكلة المخلفات 

فقد عانت عروس البحر الابيض المتوسط سابقاً وعلى مدار سنوات من مشكلة تداول المخلفات الصلبة بكافة انواعها , سواء من خلال اسناد ادارة القطاع حتي منتصف الثمانينات لجامعي القمامة المرخصين فقد كانت العربات التي تجرها الدواب هي وسيله النقل الوحيده التي تستخدم  ولكن خلال العشر سنوات الاخيرة تم إستبدال تلك الطريقه بالكامل تقريبا , ثم ظهرت تجربة للوحدات المحلية متمثلة في هيئة نظافة وتجميل محافظة الاسكندرية ( مرحلة السيارة الحمراء ) والتي تم تمويل القطاع خلال هذه الفترة من خلال المعونة الامريكية متمثلة في سيارات جمع القمامة و المخلفات الصلبة , وهي الفترة التي دلت اشد دلالة على مدى الفساد التي تعيش به مثل هذه الاجهزة في ظل النظام البائد فعلى الرغم من ان تكلفة ادارة القطاع ضعيفة وتنافسية الا ان الهيئة انهارت مع تقادم عمر السيارات واهلاكها مع عدم قدرتها على تحديثها بعد ذهاب ايرادتها الى المكافآت لمديري الهيئة التي كانت من أشهر الادارات المحلية التي مصدر اصحاب السلطة والامر والنهي فيها من العسكر .

مرحلة السيارة الصفراء

 ثم جاءت المرحلة الشبابية وهي مرحلة قصيرة بدأت مع طرح الصندوق الاجتماعي للتنمية مشروع تمويل سيارة لجمع المخلفات الصلبة بالاسكندرية ( مرحلة السيارة الصفراء ) لعدد اربع من الشباب بالتعاون مع جمعيات بيئية , وذلك سواء من خلال برامج اعادة تأهيل الخريجين , او برامج تنمية قدرات شباب فارزي القمامة بالمناطق , عن طريق تمويل سيارة مجهزة – مصنع بالمصانع التابعة لوزراة الانتاج الحربي – وعقود مع المحافظة لجمع المخلفات الصلبة مقابل رسوم تجمع مباشرة من الاهالي , وكانت هذه المرحلة في افضل المراحل بالاسكندرية في ادارة هذا القطاع تحت اشراف ادارة الرصد البيئي بالمحافظة التي قامت بتقسيم المحافظة بين العاملين بالمشروع الذين قاموا بادخال اكياس تجميع المخلفات السوداء لاول مرة بالاسكندرية ضمن رسوم جمع المخلفات , وقد ظل القطاع يعمل باطار منتظم وبشكل يكتسب الاحترافية يوميا بعد يوم الى ان جاءت الادارة المحلية وبدأت في اصطناع المشكلات مع العاملين في المشروع كان اهمها رفض استلام المخلفات من السيارات بمواقع المحطات الوسيطة او المدفن الصحي او مصانع السماد العضوي , الامر الذي ادى الى امتناع العاملين عن العمل فترة من الزمن ماعدا السيارات التابعة لقدامى فارزي المخلفات حيث لديهم خبرة في تصريفها بعيدا عن الاطار القانوني , فعمل ذلك على امتناع المنتفعين من الاهالي عن دفع رسوم جمع المخلفات بما ادى الى تعثر هذه المشروعات , خاصة بعد قيام الصندوق الاجتماعي للتنمية برفع دعاوى جنائية لعدم سداد المنتفعين بالاقساط , ودخول بعضهم الى السجن لعدم السداد – وان خرجوا بمصالحات بعد ذلك – او اتجاه بعضهم للتنازل عن هذه السيارات لفارزي المخلفات .

مرحلة السيارة البيضاء ( مرحلة العولمة )


يلي ذلك وهذا ما كان يتم تنسيقه الاتجاه نحو عولمة ادارة قطاع المخلفات الصلبة في مصر عن طريق اسناد الادارة لعدد من الشركات دولية النشاط رسى على الاسكندرية منها شركة Onyx التي شرائها من قبل شركة VEOLIA ( مرحلة السيارة البيضاء ) حيث بدأ العمل بمشروع نظافة الإسكندرية اعتبارا من9/3/2001 ولمدة 15 سنة , وهو العقد بقيمة 500 مليون يورو لتأمين نظافة مدينة الاسكندرية حيث تم اسناد اعمال ادارة المخلفات الى شركة اونيكس, التى قامت بدورها بتقسيم مدينة الإسكندرية الى ١٨ قطاع نظافة تمثل  ٧٥٪ من مناطق المدينة السكنية للقيام بخدمات خدمة جمع المخلفات, اعمال خدمة المرافق العام , أعمال النقل و محطات النقل الوسيط , أعمال معالجة المخلفات الصلبة, انشاء و تجهيز و تشغيل المدفن الصحى مع نشر سابقه بنشر حاويات جمع المخلفات امام المنازل ومناطق التجمع والأسواق بسعات تتراوح باوزان ٥٥ كجم ، ١١٠ كجم ، ١٦٥ كجم ، ٣٦٥ كجم , مع تحصيل قيمة الخدمات المقدمة من الوحدات السكنية والتجارية والصناعية والخدمية على فاتورة الكهرباء , كما وقعت عقداً لجمع المخلفات الخطرة من المستشفيات , مع اتاحة المحافظة للشركة استغلال ثلاثة مصانع موجودة حاليا لانتاج السماد واغلاق ثلاثة مكبات قائمة وبناء واستغلال مكب جديد وكذلك بناء واستغلال محرقة للنفايات الطبية , وقد جعل المقابل الكبير للعقد الشركة تتراخى في تنفيذ العقد بطريقة احترافية استندا ً على علاقات مع الادارة المحلية بالمحافظة , وخاصة فيما يتعلق بالمناطق الحضرية الفقيرة و المناطق العشوائية , وعدم تشغيل المحطات الوسيطة او المدفن الصحي بكفاءة مهنية , هذا ما اظهر مع تزايد ظاهرة فارزي القمامة , وتجار المخلفات الصلبة , وهو ما ظهر جليا ًخلال ال18 يوم قبل نهاية حكم المخلوع حيث تراكمت القمامة وغيرها من المخلفات في الشوارع مع محاولات لنقلها الى اماكن بعيدة بشكل عشوائي , وعدم وعي ان نقل المشكلة الى مكان آخر يزيد المشكلة وآثارها الصحية و البيئية و الاجتماعية , مما اصبح يهدد بكارثة صحية لم تهتم بها الشركة خاصة مع قرأتها ان مطالب العدالة الاجتماعية ستعمل على خفض ارباحها في العقد خاصة بعد المطالبة بجعل الخدمات واحدة في كل المناطق الراقية والفقيرة , فقامت بالتذرع بطلب مديونية بلغت 70 مليون جنيه مصرى من محافظة الاسكندرية لطلب فسخ عقدها مع المحافظة , خاصة مع حكم القضاء الإداري بإلغاء قرار محافظ الإسكندرية بتحصيل تلك الرسوم مع فاتورة الكهرباء , مع تقاعس المسؤلين في مخاطبة وزارة المالية في وقت مبكر لتدبير جزء من ديون الشركة لدى المحافظة.

مبادرات شعبية في مرحلة ما بعد الثورة 

 الامر الذي جعل المواطنين بالاسكندرية يعملون على ايجاد عدد من المبادرات التي تقيم انها اكثر ثبات ومؤسسية من مبادرة وطن نظيف , يذكر منها مبادرات اللجان الشعبية للدفاع عن الثورة بالاسكندرية للضغط الشعبي على المسئولين للعمل على اتخاذ اللازم لحل المشكلة مؤسسيا ً من خلال تجمع شعبي للمتضريين وقيامهم بترك القمامة التي لا تجمع من الشوارع عند هؤلاء المسئولين ليعلموا حجم المشكلة , ومنها "مبادرة ارمي زبالتك عند الحي" والتي تم تنفيذها عند احياء شرق وغرب ووسط والمنتزة ثم صعودا الى " مبادرة ارمي زبالتك عند المحافظ " والتي تم تنفيذها عند مقر اقامة محافظ الاسكندرية وأخيرا ً " مبادرة ارمي زبالتك عند القصر " والتي لم تنفذ وعلقت لرصد نتائج المبادرة الرئاسية " وطن نظيف " .
 وكان من أهم هذه المبادرات الشعبية ايضا مبادرة الاسكندرية محافظة تعاونية حيث قامت باتخاذ الاجراءات القانونية لتأسيس الجمعية التعاونية الانتاجية للخدمات البيئة , والتي تهدف لانشاء تعاونية شعبية كشكل مؤسسي شعبي لاتخاذ المبادرة اللازمة في قطاع ادارة المخلفات الصلبة بالاسكندرية بصورة متكاملة , والتي واجهت البيروقراطية الادارية حتى ظهرت الى الوجود ويجري استكمال اجراءات العمل بها .

مرحلة الصفقة  

 وفي هذه الاثناء وعلى الرغم من اشتداد الازمة بين المحافظة والشركة الاجنبية ظهرت على الساحة شركة نهضة مصر للخدمات البيئية التي اسسها كل من شركة المقاولون العرب وشركة فالكون للخدمات والحراسة وبعض المستثمرين السكندريين التي قامت بشراء الشركة الاجنبية واصولها وامتيازاتها وتعاقدتها حيث تتقاضى 11 مليون جنيه شهريا من مواطني الاسكندرية , وهذا بالرغم من الفشل الذريع لشركة المقاولون العرب في ادارة مدفن مخلفات البناء التي تديره منذ 13 عام , وقد كان ضمن تقرير الشركة الجديدة ان مصانع تدوير القمامة الثلاثة بأبيس أول وثاني والمنتزه والمدافن الصحية تعمل "بثلث" كفاءتها فاين الادارة المحترفة للشركة الاجنبية , وهذا ما يظهر جليا ًفي الاداء الغير كفء للشركة الجديدة سواء من حيث التشغيل حيث لازالت تعمل على نفس سياسات الشركة السابقة وبادارة اكثر تراخيا ً مع احتفاظها بنفس الادارة السابقة , وايضا عدم كفاءة التعامل مع العاملين مما يوجد عدم جدية واهتمام من العاملين في اداء العمل نتيجة انعدام وجود صرفيات ملابس واقية حتى ان العاملين يرتدون ملابس الشركة القديمة التي تمزقت , مع عدم توافر مهمات الوقاية تماما , مع ضعف القدرات التنظيمية والادارية والتشغلية للشركة , وذلك مما اوجد سخط لدى المواطن السكندري , وتخوف لدى الجهات الصحية والبيئية من المجتمع المدني لزيادة آثار الكارثة الصحية والبيئية المتوقعة مما حدا باللجنه القانونيه لهيئه حمايه المواطن السكندري لتقديم بلاغ جديد للمحامي العام الاول لنيابات الاسكندريه، ضد المحافظ ورئيس شركه النهضه بسبب انشار القمامه في شوارع المحافظه.

 ونظرا ً لوقوع المحافظة في نفس الخطأ بتثبيت اسعار الخدمة وفرضها فرضا على المواطنين وعدم مراعاة اقتصاديات ادارة قطاع المخلفات الصلبة فتراخت ايضا الشركة , مع زيادة اعداد فارزي القمامة " الزبالين " الذي حيث تم جذب عدد كبير من العمال غير المهرة والذين ليس لهم فرص عمل بديلة وبالتالي يكون هناك عدد كبير من الفقراء في المنظومة , والعمالة في هذا القطاع غير متجانسة منهم العمالة الدائمة وهم من يعملون في هذا المجال فقط , الى جانب العمالة المؤقتة التي تتكون من العمال الموسميين و عمال البلدية الذين يرغبون في عمل تكميلي بعد العمل الأصلي , كما نجد من ضمن اعمالهم لقيطة وفارزي القمامة بالشوارع الذين ينظر اليهم نظرة سلبية من المجتمع , يعيشون في المناطق الاكثر فقرا ً , ينبذهم المجتمع لذا يعملون في الشوارع خفية , ويعمل لقيطة الشوارع في الجمع والفرز بهامش ربح ضئيل لصالح التجار الكبار الذين يملكون المخازن ومصانع اعادة التدوير , على الرغم انهم السبب الرئيسي قيام الشركات بجمع قمامة فقيرة بعد لقيطة الشوارع , مع زيادة في تهميش فارزي القمامة اجتماعياً.

وطن نظيف مبادرة رئاسية ...  عرض إعلامي

وعلى الرغم انه وفقا ً لبيانات الشبكة الاقليمية لتبادل المعلومات والخبرات في ادارة النفايات في دول المشرق والمغرب العربي التي تقدر التكلفة المتوسطة للانفاق علي كل طن من المخلفات تصل الي ما بين 2 و‏3 دولار  للطن وهو ما يجعلها أقل تكلفة من بين بلدان المنطقة‏,‏ حيث تصل هذه التكلفة في لبنان إلي نحو‏50‏ دولارا للطن و‏20‏ دولارا في الاردن و‏25‏ دولارا في تونس و‏21‏ دولارا في المغرب و‏11‏دولارا في سوريا , وعوائد التشغيل بالقاهرة والاسكندرية 110 جنيه مصري , وباقي المحافظات 60 جنيه مصري بما يعكس الربحية الكبيرة للمؤسسات العاملة في القطاع على الرغم من فقر المخلفات الصلبة في مصر نتيجة نشاط فارزي القمامة , إلا انه لازلنا في وطن ليس نظيفا ً , ولكل هذا زاد الشارع المصري عامة و السكندري خاصة دراماتيكية مبادرة وطن نظيف الرئاسية حيث اضاعت اي امل مؤسسي قريب وجاد في حل مشكلة قطاع يعكس مبادئ العدالة الاجتماعية وفقا للمعايير العالمية .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق