السبت، 3 نوفمبر 2012

الاسكندرية ... عبقرية الانسان

الاسكندرية ... عبقرية الانسان

ارتبطت الاسكندرية بعبقرية الانسان منذ نشأتها على عكس نشأة الغالب الاعم من المدن حول العالم التي تنشأ بناء على حاجة الطبيعة في التوسع من القرية الى المدينة واحيانا الى المدينة الرئيسية وربما المدينة العظمى , فالمدينة، كما قال أفلاطون في جمهوريته، تنشأ  "حين لم يعد في وسع تلك التجمعات الاكثر بدائية الاكتفاء بذاتها", اما الاسكندرية فلقد أنشأت كمدينة عظمى في هذا المكان بناء على أمر من الاسكندر الاكبر دأ العمل على إنشائها عام 332 ق.م عن طريق ردم جزء من المياه يفصل بين جزيرة ممتدة أمام الساحل الرئيسي تدعى "فاروس"  وقرية صغيرة تدعى "راكتوس" أو "راقودة" يحيط بها قرى صغيرة أخرى تنتشر ما بين البحر وبحيرة مريوط, كانت بعيدة عن عواصم الحضارة , لم تكن لشواطئها تكوين ميناء كبير مميز الا بعد أوامر الاسكندر الاكبر لمهندس مدينته دينوقراط بربط جزيرة فاروس بالشاطئ بواسطة جسر طوله حوالي 1200 متر وعرض 200 متر وكان يسمى (التيتاسنار) وبذلك تكون حوضان أحداهما في الشمال الشرقي وكان يستعمل في الأغراض الحربية , والأخر الجنوب الغربي وكان يستعمل في الأغراض التجارية  , ومنذ ذلك الحين كانت ولازالت الاسكندرية تعبير عن مقولة مالك بن نبي أنه "إذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع والتاريخ، وإذا سكن سكن المجتمع والتاريخ ", فالاسكندرية تتحرك وتسكن بحركة وسكون الانسان ذلك المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويؤدي ما عليه من واجبات تحدِّدها قوانينها ومناقبها , ويصبح الإنسان في قلب المدينة هو " خالق تلك القوانين التي تختلف في رقيِّها وتقدُّمها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأخلاقي بحسب قدرته على الرقي " , يقول الراهب المصري "هيبا" عن الإسكندرية في الرقوق- مجموعة اللفائف - التي دون عليها سيرته بكتابات سيريانة قديمة قبل خمس وخمسين وخمسمائة وألف من سنين هذا الزمان: أنها مدينة الإنسان برغم كونها عاصمة الملح والقسوة لكن كل ما فيها عجيب ومختلف، هائلة عظيمة الإتساع، امتصت شوارعها نهر الداخلين بيسر، فكأنهم نمل يدلف في شق صخرة عظيمة .

إن الإسكندرية تعيش "هويات متعددة" نابعة من هوية كلية هي الذاكرة الثلاثية الأبعاد "زمنيا"، إلا أننا نشعر بذلك الخط الذي ينقلنا داخل جدار الزمن ، ليذكرنا كيف تشكلت نتيجة تراكم الأحداث ويقول لنا أن الاسكندرية "حالة إنسانية " طالما أن الإنسان دائم الحركة والتغيير وفي حالة بحث دائم عن "عمارة للأرض", ولهذا كان وسيظل الانسان صانع عظمة الاسكندرية وانتكاستها.

إن الروح التي زرعها الاسكندر الاكبر وخلفاؤه اوجدت بالاسكندرية مجموعة من العلماء حول مشروع مكتبة الاسكندرية الانساني الحضاري حملوا راية التقدم في ازمنة كان فيها الانسان بالاسكندرية يحمل قبس رائق من الانسانية الحقة , ان امثال افلوطين واقليدس وهيرون وثيرون وهيباتيا والتي قال ستيفن غرينبلات إن مقتلها "أثر بشدة في انحدار الحياة الفكرية السكندرية" , الامر الذي انعكس على دور الاسكندرية طيلة حكم الرومان  وحتى دخول الفتح الاسلامي,  وعلى الرغم من ابتعاد الاهتمام اثناء الدولة الاسلامية عن الاسكندرية الا ان تواجد بعض الشخصيات بالاسكندرية كان هاما ً مثل التابعي عبد الرحمن بن هرمز والذي من اقواله " خير سواحلكم رباطا ً الاسكندرية " , وابو بكر الطرطوشي الذي نزل بالاسكندرية وقت وفاة الخليفة المستنصر الفاطمي فوجد البلد عاطلا ً عن العلم , فأقام بها وبث علما ً جما ً ,وكان اول من افتى بحل المقاطعة الاقتصادية عندما افتى بتحريم الجبن الذي يأتي به الفرنجة الى الاسكندرية نتيجة لاستحلهم انفس واعراض المسلمين واليهود بالاندلس بعد معركة تور – بواتييه , واتى ابو الطاهر بن عوف لينشئ اول مدرسة اسلامية بمصر بالاسكندرية وقبل المدرسة الناصرية بالفسطاط التي انشائها الناصر صلاح الدين , ويذكر من الشخصيات التي اثرت وتاثرت بالاسكندرية الحافظ السلفي المحدث وله ترجمة في اعلام الاسكندرية تسمة " معجم السفر " ترجم فيه لاعلام من الرجال والنساء بالاسكندرية من المشتغلين بالعلم و الادب و الشعر , وقد جعل الاسكندرية منبرا ً في علم الحديث , كما لابد ان يذكر زهاد الاسكندرية امثال ابو الحسن الشازلي والمرسي ابو العباس وابن عطاء الله السكندري, والذين جعلوا من الاسكندرية  مقصدا ً لطالبي العلم والزهد .

ومن اهم الشخصيات التي تعكس روح الاسكندرية هو السيد محمد كريم حاكم الاسكندرية المصري السكندري العصامي المجاهد ابان الحملة الفرنسية على مصر الذي على الرغم من الفرق في القوى بين الجيش والاسطول الفرنسيين وبين المقاومة الشعبية , ولكنه استبسل وتحصن بطابيه قايتباي حتى بعد دخول الفرنسيين المدينة , حتى اكبر نابليون روح الشجاعة لدى السيد عمر كريم , فقد اخذه والسلاح في يديه , ثم حوكم واصدر نابليون الحكم باعدامه رميا ً بالرصاص الا اذا افتدى نفسه بغرامة قدرها ثلاثون الف ريال الا انه رفض موقنا ً بانه على حق في دفاعه عن الوطن .

كما ان عبد الله النديم كان انسانا ً عاش في روح الاسكندرية شاعرا ً ومناضلا ً أنشأ الجمعية الخيرية الاسلامية التي ترمي الى تطوير اساليب التربية و التعليم , فقد أنشأت مدرسة لتعليم الايتام و الفقراء وكان النديم مديرا ً لها , كما كان له اهتماما ً بالفن والادب فالف روايتين هما " الوطن وطالع التوفيق " و " العرب " ومثلهما طلبة المدرسة على مسرح زيزينيا , كما انشأ لنفسة جريدة " النكيت و التبكيت " ولقد كانت جريدة وطنية ادبية هزلية تعني بهموم الوطن , ولما قامت الثورة العرابية اصبح النديم خطبيها , وبعد ان اخفقت الثورة العرابية امام الخيانة و الطغيان وضعت الحكومة المصرية ثمنا لرأس النديم مبلغ 1000 جنيه ذهب , ثم صدر العفو عنه فذهب للعيش في يافا ثم الاستانة وتوفى هناك .
وبذلك ارتبطت دائما اسكندرية الكرامة والهمة والمرؤة والعلم والحضارة بالانسان السكندري ذو الكرامة والهمة والمرؤة والعلم وصانع الحضارة , فهل لنا الآن والاسكندرية تحتاج لان تجلو وجهها , ام ينطبق قول عبد الرحمن الكواكبي " ما بال الزمان يضن علينا برجال يفكرون بحزم ويعملون بعزم ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون " , الامر في ايدينا , في فعلنا نحن السكندريين ولنا في تاريخنا عبرة , فالاسكندرية عبقرية الانسان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق